-A +A
اعتدال عطيوي
لدينا مشكلة أو لنسميها هوسا اسمه التقليد، لو دخل أحدهم جحر ضب لدخل وراءه الكثيرون وقبلنا على مضض تحت هذا المفهوم الملتبس وجود المحلات التجارية والصيدليات والمطاعم واحدا بمحاذاة الآخر وهو بالمناسبة أمر لا مثيل له في كل العالم.
ولكن أن يتحول الأمر إلى المراكز الاجتماعية والنفسية التي تقدم الاستشارات العلمية الاجتماعية والنفسية المقننة فذلك أمر آخر.. فهذا ليس مشروعا تجاريا فقط هدفه الأول مادي بحت بل له جانب إنساني غاية في الخطورة لأنه لا مجال للتلاعب بحياة الآخرين وتوجيهها بطريقة حاطئة أو غير مناسبة لذا كان لابد من لوائح وانضباط وتقنين وأسس علمية تسير على نهجها تلك المراكز.

ومن أهمها توفر المختصين المعتمدين والمرخصين من هيئة التخصصات الصحية في هذا المجال إضافة إلى توفر شروط معينة ومحددة في المكان وإذا أضيف إليه التدريب أصبحت مسؤوليته أكثر التزاما وتقنينا.
ولكننا لو نظرنا للواقع بنظرة تقييمية لوجدنا الكثير منها قائما على المبدأ التجاري بلا أسس حقيقية يمكن الاستناد إليها.
فكثير من المتصدين للعمل فيها غير مرخصين وقد يكونون من ذوي الشهادات الوهمية المسلوقة التي نالوها على عجلة من المكاتب المنتشرة في النت باعتبارها جامعات عالمية وهي في حقيقتها لا تخرج عن مكاتب تختم وتبصم وتجعل من (س وص) دكتورا واختصاصيا يقدم الاستشارات.. فأين التقييم لهذه المراكز ومن يتولاها.
وأعرف أن الكثير من هذه المراكز في الواقع تحفل بالمختصين الوهميين أو بقليلي الخبرة في هذا المجال الذي يتطلب خبرات علمية وعملية خاصة.. إذا أخذنا في الاعتبار أن التخصص العملي غير موجود في الكثير من جامعاتنا إضافة إلى نقص التدريب المتوفر المؤهل فكيف يمكن لحديث التخرج مباشرة العمل بلا تدريب مكثف مسبق ولو قيمنا الموجود لظهر لنا النقص ــ الارتجالية وعدم الخبرة ــ واضحا في المتصدين للاستشارات الأسرية في الغالب.
ويقتصر الأمر في مجمله على القدرة في إنشاء مركز مما يعيدنا للنقطة الأساسية الأولى وهي المبدأ التجاري حتى أصبح الأمر غير مقبول فعليا، وقد وجدت من ذلك الكثير في الواقع بحكم تخصصي ومعرفتي بهذه المراكز.
ثم أين ميثاق العمل الأخلاقي المناسب للمجتمع الذي لابد من وجوده في مثل هذه المراكز واضحا صريحا أمام العاملين فيها ومدى الالتزام والعمل به، هذا إن وجد أصلا أم نعتبره تحصيل حاصل مفترض الوجود أثناء العمل.
ورغم أهمية مراكز الإرشاد الأسري في المجتمعات خاصة التي تعرضت لتغيرات سريعة كمجتمعنا بحيث أصبح وجودها ضرورة لتقديم رأي علمي محايد للمشكلات يساعد على حلها وتفادي الظواهر السلبية إلا أن ذلك ليس عذرا لقبول الفوضى السائدة فيها.
ثم ماهي المحددات التي تقنن مقدمي خدمة الإرشاد الأسري والتي يجب أن تقتصر على المتخصصين المدربين أم أن الأمر متاح لكل من يتوسم في نفسه القدرة على القيام بذلك فينشئ مركزا أو يقدم استشارات هاتفية أو يدرب.. وأعرف الكثير من المراكز المتصدية لهذا حيث تستعين بخريجي علم النفس والاجتماع دون تقييم حقيقي لخبراتهم.
إن حاجة المجتمع الواضحة قد أدت إلى التوسع السريع في برامج الاستشارات بمختلف أنواعها في المراكز والنت ووسائل الإعلام ولكن الأمر سلاح ذو حدين تصدى له كثيرون من غير المتخصصين كما هو واضح للمتأمل والمدقق.
لذا كان لابد من إعادة تقييمية للعمل الإرشادي من كافة النواحي والأوجه لبناء الثقة فيما تقدمه هذه المراكز أو المواقع للمجتمع ولا أقصد بذلك الربحية فقط بل لابد أن ينطبق التقييم على كل الجهات المقدمة للاستشارات ربحية كانت أم خيريـة لتحقيق الهدف الأسمى منها المتمثل في المساعدة المتخصصة.
وقد أصدرت وزارة الشؤون الاجتماعية بعد دراسة قام بها مختصون لوائح لتنظيم هذا النشاط مؤخرا الأمر الذي قد يقلل من سلبيات هذا العمل..
ولكن تقييم العمل المقدم لابد منه.. والمراكز المنتشرة والموجودة حاليا بسلبياتها وثغراتها الكثيرة من يتولاها.. ويبقى السؤال معلقا لايعرف أين يتجه.